اسم الشاعر

سنة الميلاد

رقم الصفحة

- أحمد بن المأمون البلغيثي .........................

1865

639

- أحمد الهيبة .......................................

1877

641

- محمد بن الطاهر الإيفراني ........................

1888

644

- أبو بكر بناني .....................................

1889

647

- محمد الجزولي ....................................

1889

652

- محمد بن اليمني الناصري .........................

1891

656

- محمد البيضاوي الشنقيطي ........................

1892

661

- محمد القري ......................................

1900

664

- عبد الرحمن حجي ................................

1901

667

- محمد بن ابراهيم ..................................

1901

672

- محمد المختار السوسي ............................

1902

678

- عبد الملك البلغيثي ................................

1903

685

- عبد الله كنون .....................................

1908

689

- الحسن البونعماني .................................

1910

692

- محمد بن محمد مكوار ............................

1910

696

- محمد علال الفاسي ................................

1910

698

- إبراهيم الإلغي ....................................

1912

701

- عبد الكريم بن ثابت ...............................

1915

703

- عبد الغني السكيرج ...............................

1916

706

- عبد القادر حسن ..................................

1916

709

- عبد المجيد بن جلون ..............................

1918

712

- محمد المدني الحمراوي ...........................

1918

718

- محمد بن علي الوكيلي ............................

1918

721

- عبد القادر المقدم ..................................

1922

723

- محمد الحبيب الفرقاني ............................

1922

728

- محمد الحلوي .....................................

1922

732

- محمد عزيز الحبابي ..............................

1922

737

- إدريس الجائي ....................................

1922

739

- محمد الوديع الأسفي ..............................

1922

745

- أبو بكر اللمتوني ..................................

1928

751

- محمد السرغيني ..................................

1930

756

- عبد الكريم الطبال .................................

1931

758

- أحمد عبد السلام البقالي ...........................

1932

760

- علي الصقلي ......................................

1932

763

- عبد السلام الزيتوني ..............................

1934

768

- علال بن الهاشمي الفيلالي ........................

1934

771

- عبد اللطيف أحمد خالص ..........................

1935

774

- أحمد المجاطي ....................................

1936

780

- محمد الميموني ....................................

1936

782

- مصطفى المعداوي ................................

1937

784

- إبراهيم السولامي .................................

1938

787

- حسن محمد الطريبق ..............................

1938

790

- أبو بكر المريني ..................................

1939

796

- أحمد الجوماري ...................................

1939

799

- محمد الخمار الكنوني .............................

1941

802

- عبد الرفيع جواهري ..............................

1944

807

- أحمد الطريبق أحمد ...............................

1945

809

- أحمد مفدي .......................................

1945

814

- محمد بنعمارة .....................................

1945

818

- محمد عنيبة الحمري ..............................

1946

820

- مليكة العاصمي ...................................

1946

824

- أحمد بلحاج آية وارهام ............................

1948

828

- بنسالم حميش .....................................

1948

830

- عبد الله راجع .....................................

1948

833

- محمد بنّيس .......................................

1948

838

- حسن الأمراني ....................................

1949

841

- محمد علي الرباوي ...............................

1949

842

- محمد الأشعري ...................................

1951

848

- أمينة المريني .....................................

1955

855

- محمد الطوبي .....................................

1955

857

- إدريس عيسى .....................................

1956

860

- محمد بنطلحة .....................................

1956

862

- حسن نجمي .......................................

1959

865

- نجيب خداري .....................................

1959

867

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

         يتبين لكل متتبع لمسيرة الشعر العربي في المغرب، أن هذه المسيرة عرفت مراحل متداخلة ومتفاوتة كان فيها الإبداع يتأرجح من حيث مستواه وقيمته، سواء بالنسبة إلى ذاته أو بالقياس إلى غيره. وكان في ذلك متأثراً بعوامل كثيرة كان من بينها العنصر الفاعل في أحداث التاريخ، وما له عادة من انعكاس على مختلف البنيات، ولا سيما على الثقافة والفكر والأدب، وما يكون فيها جميعاً من إنتاج يبرز مدى القدرة على العطاء الجيد والمتميز.

 

         وإذا كانت النشأة في مرحلة الأسلمة والتعريب الأولى، على امتداد نحو ثلاثة قرون، قد اتسمت بفتور في التعبير الشعري وصل إلى حد الضعف والرداءة، فإن الاستواء لم يلبث أن اكتمل لهذا التعبير في شيء غير قليل من الازدهار والتألق، متأثراً باستقرار الدولة ووحدتها وما كان لها من تفاعل عميق ووثيق مع المشرق والأندلس، تحفزاً من شخصية قوية بما كان لها من نفوذ واعتبار، ليس على صعيد المنطقة فحسب، ولكن على صعيد مجموع الأقطار العربية والإسلامية كذلك.

 

         وما كادت دولة الوحدة الكبرى تميل إلى التقلص والانعزال، بدءاً من منتصف القرن السابع الهجري الموافق للثالث عشر الميلادي، حتى دخل المغرب في عزلة زاد في تضييق نطاقها عليه موقفه من التحديات الخارجية التي كان يواجهها، والتي فرض على نفسه – لرفعها، أو تأجيل وقوع خطرها – أن يغلق دونه الأبواب والنوافذ، حماية لاستقلاله، ورداً للعدوان المتلاحق الذي كان يهدف إلى مس هذا الاستقلال.

 

         وتحت تأثير هذه الظروف التي لم تكن تخلو من مخاضات عسيرة، بدا الشعر بدوره منكمشاً على الذات، ومحصوراً في دائرة ضيقة يجتر نفسه، بإعادة وتكرار لم يفرزا غير نصوص باهتة في أشكالها ومضامينها، مرتبطة بالنماذج القديمة المتداولة، تسعى إلى محاكاتها وتقليدها، وإن لم يخل بعضها من ملامح إبداعية رائعة. ولكنها – لقلتها – لم تبوئ الشعر العربي مكانة الصدارة التي احتلتها قصيدة "الملحون" الشعبية التي شهدت على امتداد هذه الفترة مقومات تطورية ظهرت في قوالبها الهيكلية، ومعانيها المتجددة، وفي الصدى الواسع الذي كان لها لدى المتلقين.

 

         وقد كان لحادث الاستعمار والوقائع التي مهدت له أثر إنذاري تجلى في بث وعي جديد حث على النهوض ومراجعة الذات في علاقاتها مع نفسها ومع الآخر، مما أفضى إلى محاولات لتصحيح كثير من البنيات الداخلية، ولا سيما في مجال الفكر، بما يكونه وما ينتج عنه. وبهذا دخل المغرب مع بداية القرن العشرين طوراً مبشراً بانبعاث كانت خلفه أسباب، من بينها – إلى جانب إرسال البعثات ودخول المطبعة مما كان عرفه في السابق ولكن دون جدوى -:

 

1-       المقاومة المسلحة ضد الاستعمار، وما صاحبها من روح دفاعية عالية.

2-       انتشار الفكر السلفي الإصلاحي، سواء على مستوى الرأي العام أو على مستوى العلماء والأدباء، مما تكشفه الكتابات الشعرية والنثرية.

3-       ظهور الحركة الوطنية العاملة في حقل السياسة، وما كان لها من دور إيجابي كبير في بث الوعي بالمغرب وهويته، إضافة إلى دورها في النضال من أجل تحرير البلاد.

4-       العناية بالتعليم في توجهه العربي الإسلامي، عكس ما كانت ترمي إليه إدارة الاستعمار.

5-       ازدهار الصحافة الوطنية، مما يتمثل في الجرائد والمجلات التي كانت إلى جانب مقالاتها السياسية، تخصص حيزاً بارزاً للكتابات التي تهتم بتاريخ المغرب وفكره وأدبه، مع عناية خاصة بالشعر.

 

         لقد كان طبيعياً، والمغرب يقبل على مرحلة صعبة يواجه تحدياتها بيقظة وبمقومات ثقافية جديدة، أن ينفتح على عهد يتسم، في الإبداع الأدبي عموماً والشعر منه على الخصوص، ببوادر تطوير وتجديد هي التي تعكسها النصوص التي يسعى هذا المجموع إلى عرض نماذج لها تمثل مختلف الأجيال التي تعاقبت على التعبير طوال القرن العشرين، مع ما لها من ملامح الالتقاء والافتراق، بدءاً من الرعيل الأول الذي ظل يواكب القديم، إلى الفئة التي أظهرت الثورة على هذا القديم، مروراً بالذين كانوا يحاولون السير بتؤدة واتزان والتوفيق بين مختلف الاتجاهات.

 

         وكانوا جميعاً – كل في توجهه وتأثراً باقتناعه – ينطلقون من مفاهيم للشعر تبدأ من امتلاك أدوات التعبير والقدرة عليه، إلى مستوى آخر يجعله مجالاً لإظهار المهارة الصناعية والبراعة في عرضها، تحفزاً من التكوين العلمي الذي كان الشعر مجرد عنصر مكمل له ومزين لصاحبه.

 

         وإذا كان هذا المنحى الشعري قد تألق على يد شعراء، هم في الأصل علماء وفقهاء، فإنه لم يلبث أن ظهر عند فئة أخرى راعت السجية والوجدان، وإن كانت هذه المراعاة منصبة على محاولة تقديم نظري للمفهوم، وليس على الممارسة الشعرية نفسها. وهو ما يلاحظ عند شعراء أشادوا بدرر صياغتهم، كما يلاحظ عند آخرين ألحوا على مخاطبة الوجدان. وكان المدح عند هؤلاء وأولئك مجالاً لإثارة قضية التصنع أو التعبير عفو الخاطر، في حين كان عند آخرين مناسبة للاعتزاز بالفصيح البليغ الدال على الفحولة التي لا تكلف فيها، وعلى غنى العواطف وعذوبة التعبير.

 

         وعلى الرغم من بعض الذين كانوا يضيقون بالابتعاد عن القديم ويناهضون كل محاولة للتطوير، فإن التطلع إلى التجديد كان يقوى يوماً إثر يوم، تأثراً بظروف النهضة التي بدأت تعطي ثمارها، مع استهلال سنوات الأربعين، ساعية إلى مواكبة التغيرات التي مست الواقع يومئذ، وأتاحت للفكر والأدب أن ينطلقا في خط تعميق الإحساس بالذات والوطن، والتعبير عنهما بمضامين مستحدثة، مع الإبقاء على بعض الأغراض التقليدية وتناولها برؤى وأساليب لا تخلو من جديد.

 

         وهذا ما جعل فئة من الشعراء تربط الإبداع بالواقع والحقيقة بالقيم، وبما يترك سحره في النفوس، من تحفز لتحريك السواكن والكوامن، والتطلع إلى المعالي والأمجاد، والحث على استرجاعها والتحرر من الاستعمار قبل ذلك وبعد. ولم يلبث هذا الاتجاه – وقد قوي تأثره بالحركة الشعرية المتجددة التي عرفها المشرق – أن فتح لنفسه آفاقاً رومانسية تربط التعبير بما تختلج به الأحاسيس وما يعتمل في الضمائر من هموم وآمال، وما تهفو إليه الأرواح من حرية وجمال، في غير تخلّ عن المسؤولية التي يتحملها الشاعر في مجتمعه، مما أبرز ظاهرة الالتزام التي اتخذ البعض منها موقف الرفض، باعتبارها مجرد قيد يحول دون انطلاق الإبداع، لا سيما وأن من هؤلاء من أخذ ينادي بتجاوز القيود الشكلية للقصيدة.

 

         وتأثراً بالواقع الذي بدأ المغرب يعيشه بعد استعادة سيادته، وتجاوباً مع التحولات التي كانت تفرزها الحركة الشعرية في عموم الأقطار العربية، ظهرت مفاهيم تربط التعبير بالحياة الجديدة وما كانت تتيح للبعض من أحلام، وما كانت تترك عند آخرين من رغبة في الانتقاد بهدف التغيير. وعند هؤلاء وأولئك احتدم الصراع، مقابلاً بين المتمسكين بالشكل التقليدي للقصيدة، والداعين إلى تجاوزه والثورة عليه.

 

         وفي غمرة هذه المخاضات، ومع أواخر القرن، برز تيار شعري ذو نفس إسلامي قوي ومتماسك يجعل من التعبير مسؤولية نابعة من مكانة سامية يتوحد فيها المبدع بمعاناة صوفية مع الكون والحياة والإنسان.

 

         وفي مواكبة لمختلف المفاهيم التي عبر بها الشعراء، سار النقد – وإن بخجل واستحياء – يؤيد تارة ويعارض أخرى، متأثراً في الغالب بثقافة أصحابه وانتماءاتهم، مما جعله يبدأ نقداً لغوياً وبلاغياً وعروضياً، ليتحول في آخر المطاف إلى نقد إيديولوجي صرف. وهو ما حال دون ظهور نظرية شعرية تبرز توجهاً أو توجهات، من خلال نصوص إبداعية متميزة قابلة بعد اكتمالها أن تصبح نماذج تغري الدارسين النقاد بالكشف عن ملامح تفردها، وتجعل الشعراء يحتذونها، لتتضح بعد ذلك معالم مدرسة يتوافر لها نسق وخصوصيات.

 

         وإذا جاز أن نختصر مسيرة الشعر العربي في المغرب على مدى القرن العشرين، فلن تعبر عن هذا الاختصار سوى كلمة واحدة صغيرة لا تخلو من أهمية قصوى كبيرة بالنسبة إلى المرحلة، ألا وهي "التطور". فقد كان الشعراء من مختلف مواقعهم وعلى تباين إمكاناتهم يسعون إلى أن يتحقق هذا التطور في مظهر ما من مظاهره مهما يكن بسيطاً أو ضئيلاً. وكانت المضامين أكثر قابلية له وقبولاً كذلك، وفق ما تجلّيه الأغراض التي انصبت على الفرد والمجتمع من جهة، وعلى الوطن والأمة من جهة ثانية.

 

         فانطلاقاً من الوجدان وإليه، كان الشعراء تحت ضغط ظروف الاستعمار، لا يجدون أنفسهم إلا عندما يخلون إليها للكشف عما يكتنفها من عواطف وأحاسيس قد تكون بهيجة تارة وحزينة أخرى، لا سيما حين تصدر في حال السجن أو النفي وما يفضيان إليه من شعور بالغربة والوحدة والشوق والحنين. وقد يؤدي هذا الشعور أحياناً إلى استحضار الطبيعة والتغني بها، في تجسيمها للوطن بكل ما يمثله من روعة وجمال، وما يوحي به من متعة ونشوة، وكذا بما يبعثه من ألم وحسرة في نفس الشاعر المتطلع إلى فكه من القيد الذي عاناه تحت وطأة الاستعمار، أو تخليصه من السلبيات التي رافقت ممارسة الاستقلال.

 

         وستستمر هذه النزعة مصحوبة بتسابيح وابتهالات عند بعض الذين تأملوا نفوسهم، في تأرجحها بين اليأس والأمل والشقاء والسعادة، فمالوا إلى الفخر بالذات، أو إلى الانطواء عليها لاجترار ذكريات الماضي والعيش في أحضان حلم جميل، لا يخرجون منه إلا للتساؤل عن وهم الحياة وسر الوجود، في نفور أحياناً من الواقع المليء بالتناقضات، وربما في هروب إلى ما يحث على النسيان ويخلص من الهموم والأحزان. ومع ذلك، فمن بين ثنايا هذا القلق والاضطراب، كان ينبعث روح متفائل بالكون والحياة، يخفت ويقوى حسب ظروف كل شاعر وأحواله.

         وموازاة مع هذا التوجه الفردي، كان الاهتمام بالواقع الاجتماعي يدعو إلى التجاوب معه والاندماج فيه، وإلى الانشغال بقضاياه والتوعية بها.

 

         وكان الصراع بين الطرقية والسلفية، أو بين الشيوخ والشباب، بداية هذا الاهتمام، في سعي إلى بث وعي ديني وطني صحيح خال من الشوائب التي علقت بالأفكار والأذهان على مدى حقب الركود، والتي انعكست على السلوك متجسمة في كثير من العادات السيئة المتفشية، وفي الانحراف عن القيم والاستهانة بها. واقترن هذا التوجه بانتقاد الأوضاع المتأزمة التي عاشها المغرب، سواء وهو يعاني وطأة الاستعمار وويلات الحربين العالميتين، أو وهو يواجه بعض الظروف السلبية التي بدأت تظهر في عهد الاستقلال، متجلية في مشكلات اجتماعية نتجت عن سوء التدبير وعمق الفوارق المعيشية، كظاهرتي التسول والهجرة، مما لفت الأنظار إلى الفلاح في علاقته بالأرض، وما يواجه فيها من محن الجفاف والفيضان واستغلال الإقطاعيين. وهو وضع أفضى بعدد من الأطفال والشباب والفتيات إلى التشرد والتسكع والوقوع في براثن التخدير والإجرام والدعارة.

 

         وكانت العناية بالتعبير الوطني خير مجال للكشف عن الآمال والتطلعات، وسط ظروف صعبة كان الشاعر فيها داعية البحث عن الذات والمصير المتوقع لها في غمرة ركام الأحداث المتلاحقة واضطراب الأزمات المتناقضة، وما كانت تبثه المواقف الجهادية من تفاؤل في النفوس. وكان الالتفاف حول المؤسسات الممثلة للوطن محور التعبير الذي دار حول العرش المغربي، وحول شخص الملك باعتباره رمز هذا الوطن.

 

         ولم يلبث هذا التعبير أن غدا مجالاً لدعوات الإصلاح والتحرير، تحفزاً من المناداة بالتعليم، مع تركيز على تعليم الفتيات.

 

         وارتبطت معركة التحرير بالتشبث بالوحدة الوطنية التي كان الاستعمار يحاول تمزيقها. وكانت مناسبة الاحتفال بعيد العرش فرصة للتعبير عن المشاعر الوطنية، خاصة وأن عهد الحماية لم يكن يبيح مثل هذا التعبير، بل بلغ به التضييق إلى حد نفي الملك وأسرته، مما زاد في إذكاء المشاعر وتقوية العزم على التحرر الذي لم يلبث بعد اندلاع المقاومة أن تحقق بعودة الملك من منفاه يحمل بشرى هذا التحرر. كما كانت المناسبة بعد استرجاع الاستقلال فرصة للتجاوب مع المنجزات والإعراب عن التطلعات وإثارة مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع الإلحاح على قضية استكمال الوحدة الترابية، سواء حين تعلق الأمر بالصحراء التي استعيدت بالمسيرة الخضراء، أو حين تعلق بمدينتي "سبتة" و "مليلية" والجزر المجاورة التي ما زالت تحت الاحتلال.

 

         وعلى غرار هذه المناسبة، فإن المناسبات الأخرى – وطنية ودينية – لم تكن تمر دون أن تنتهز لإذكاء الشعور بالهوية والكيان، والإشادة بالقيم والمبادئ والبطولات والانتصارات، والإعراب عن الآمال والتطلعات وشتى الانشغالات، مما يدل على أن التعبير الوطني قد تشعب حتى كاد يمس كل الأغراض.

 

         وما كان هذا التعبير لينغلق على نفسه في دائرة ضيقة محدودة لا تتجاوز المغرب، ولكن تعداها إلى معانقة القضايا القومية، معرباً عن قوة الانتماء الحضاري والثقافي إلى الأمة العربية، وتجاوبه مع قضاياها، في اعتزاز بالروابط اللغوية والتاريخية وما يشدها من أصول مشتركة، إلى جانب وحدة الهموم والمشاكل والمصير ؛ دون إغفال عنصر الدين الذي هو في إحساس المغاربة وفكرهم ولاوعيهم كذلك أساس القومية، إن لم يكن هو هي، مما جعلهم ينظرون إليها ممتزجة بالإسلام. وهذه لا شك رؤية متطورة بالقياس إلى ما كان معهوداً من قبل أن يُعرف المفهوم القومي، وهي كذلك متميزة بعدم إلغائها الجانب الديني، إذا ما قورنت بما كان سائداً في الساحة العربية لفترة طويلة.

 

         وإدراكاً من الشعراء لأهمية التعبير عن هذه الأحاسيس، لإثبات الأصالة وتأكيد الشخصية العربية الإسلامية، وتثبيت الموقف من الاستعمار الذي كان يحاول أن يسلبه ملامح هذه الشخصية، فإنهم لم يتركوا أي حدث عربي إسلامي إلا وتجاوبوا معه، وأعربوا عما يختلج في أعماقهم من صدق الانفعالات ومتانة الروابط. وهو ما كان يظهر في الفرح باستقبال شخصيات مرموقة، وفي رثاء أعلام بارزين، وفي مشاركة بلد بهجة نيل استقلاله وفي مساندة جميع قضايا التحرر.

 

         وكانت قضية فلسطين في مختلف مراحلها حافزاً للتعبير القومي وإغناءاً له، منذ الثورة على وعد بلفور إلى انتفاضة أطفال الحجارة. ومثلها قضية الجزائر التي ساندها المغاربة بالقول والفعل وعملوا على تحريرها، في تجاوب مطلق مع الثورة والتحام بها، وكذا قضايا العراق ودول الخليج وما كان لها من أثر في تعميق الجرح العربي الإسلامي.

 

         وكانت مؤتمرات القمة التي انتظمت على المستوى العربي أو الإفريقي أو الإسلامي فرصاً أخرى للشعراء المغاربة كي يعربوا عن مواقفهم القومية وتضامنهم اللامشروط مع قضايا الأمة، في توجه انتقادي أحياناً عند بعض الذين كانوا يتوقون إلى أن تكون لهذه المؤتمرات جدوى ملموسة وحقيقية.

 

         وإذا كان الشعر العربي في المغرب قد انشغل بهذه المضامين وأبرزها وجعلها محاور للتعبير، فإنه في هذا التعبير كان يخضع لمقومات القصيدة باعتبارها بنية متكاملة ومتناسقة تتجاوب مع السياق الشعوري لتجربة المبدع، يتوسل في تشكليلها بمكونات إيقاعية ولغوية وتصويرية بدونها لا تكون القصيدة بل لا يكون الشعر.

 

         وقد شغل الإيقاع شعراء المرحلة، بدءاً من الذين ارتبطوا بالبحور الخليلية في التزام بالإطار التقليدي، إلى الذين حاولوا التحررمنه ومما اعتبروه رتابة، بكل ما في محاولاتهم من اضطراب لم يفلت منه إلا بعض المتمكنين من أدوات التعبير، وبما في بعض هذه المحاولات من بعد عن الشعر، لا سيما التي زعمت إبداع قصيدة نثرية. في حين جرب آخرون أن ينوعوا في التقفية، وأن يقوموا بتشكيلات شعرية، على نحو ما يلاحظ عند الذين نظموا على نمط التوشيح، أو النشيد الذي ارتبط بالمناسبات الوطنية، أو غيرهما من الأنماط القائمة على نسق المقاطع.

 

         وباعتبار اللغة هي الوعاء الذي يصب فيه الشعر، ليس من حيث هي مجرد تراكم لفظي أو كتل حرفية متراصة، فقد أولاها شعراء المرحلة عناية خاصة، سعياً منهم إلى الخروج بها عن المألوف والمعتاد في الكلام، بخرقها ومحاولة الصعود بإمكانياتها إلى أعلى درجات التفجير وطبقات الانزياح، بهدف خلق علاقات بين مكونات هذا الكلام، مما يعطيها سمة الفن وملمح الجمال.

 

         وإذا كانت اللغة عند شعراء العقود الأولى قد اتسمت بالتزام المنحى التقريري المباشر الذي لا يخلو من نبرة خطابية فخمة، مع الميل أحياناً إلى الغرابة وحتى إلى التكلف في اصطناع بعض الظواهر اللغوية، فإن شعراء العقود الأخيرة كانوا يجتهدون في تجنب هذا المنحى، متوسلين بالانزياح اللفظي وتجاوز المعاني المألوفة، مع اللجوء إلى التضاد والتنافر واستعمال الرموز وما إليها مما يساعد على تشكيل لغة خاصة.

 

         وكانوا في مثل هذه التجارب يحاولون التوفيق بين اللغة وأساليبها، والمضامين التي يعالجونها، وكذا الأنماط التي جربوا تطويعها، كالشعر القصصي والمسرحي. ومن ثم جاءت لغة بعضهم، والشباب منهم على الخصوص، موسومة بالتوتر والإثارة والإيحاء، مما أفضى إلى الغموض الذي جاء عند المقلدين وغير المجيدين مجرد أحاج وألغاز قد لا يفهمونها هم أنفسهم.

 

         وعلى النحو الذي سارت فيه اللغة والإيقاع، جاء التصوير عند شعراء الفترات الأولى من القرن، مرتبطاً بما كان مألوفاً ومتداولاً عند القدماء، في عناية بالوصف والارتكاز فيه على التشبيه والتوسل بالمجاز والاستعارة.

 

         وقد جاء الوصف عند البارعين فيه بعيداً عن النقل الآلي الجامد، بما يبعثون في الشيء الموصوف من حركة وتشخيص، وبما يبثون فيه من فكرهم ورؤاهم، وبما ينتج عن ذلك من ابتكار للصور تتدخل فيه الحالة النفسية المتولدة عن الانفعال العميق بما يريدون تصويره، مما يجعل المتلقي يتمثل التجربة حية نابضة تحفزه إلى التجاوب.

 

         وستتطور الصورة عند شعراء المرحلة المتأخرين ولا سيما منهم الجدد الذين استفادوا من الجماليات البيانية والبديعية التي قننتها البلاغة العربية، ولكنهم لم يقفوا عندها ولم يكتفوا بها، وسعوا إلى إيجاد محسنات نابعة من طاقات التفجير وإمكانات التأويل التي لا يوفق المتلقي دائماً في تمثلها، إلا أن يكون من الذين أدركوا رؤيا الشاعر واندمجوا فيها معه. وهذا ما أفضى إلى استعمال الرمز، باعتباره أسلوباً يقوم على الإيحاء والتلميح، ويتوسل به المبدع ليغير طاقاته ويوجه إيحاءاته في مجال الكشف عن الخبايا المجردة، دون أن يقع في عالم التجريد المطلق، ومن غير أن يصل في استعماله إلى حد التعبير الذاتي المغلق، فضلاً عن التعسف والافتعال في هذا الاستعمال. وقد طوع شعراء الاتجاه الإسلامي هذا الأسلوب، متوسلين بألفاظ قرآنية وأسماء ذات دلالات دينية وتاريخية.

 

         وكما اعتمد بعض شعراء المرحلة على الرمز، كذلك اعتمدوا على الأسطورة، لما تتيحه من تخيل واستحضار أشخاص وصراعات ومواقف تجعلهم يطرحون واقعاً معيناً يعرضونه أو يحللونه ويفسرونه، بوساطة ما تزخر به الأسطورة من إشارات فنية متعددة. وكانوا في البحث عن الأسطورة يلجأون إلى التراث الشعبي المحلي تارة، وإلى التراث الشرقي القديم تارة أخرى، دون إغفال لجوء شعراء آخرين إلى ما يزخر به القرآن الكريم وكتب التراث الإسلامي من أعلام ومرجعيات دينية وتاريخية، رمزوا بها عندما رأوا أن التعبير المباشر لا يسعفهم في الإعراب عما يعتمل في نفوسهم من مشاعر وانفعالات وتأملات وتوترات.

 

         إن مثل هذا الرجوع إلى التراث والامتياح منه في المجال المشار إليه، يستدعي إثارة قضية أوسع وأشمل حول مدى تأثر شعراء المرحلة التي تنتمي إليها هذه المختارات بنصوص شعرية أو غيرها مما تفاعلوا معه. وهي قضية في جانبها النظري لا تفضي إلى نفي الإبداع وتميزه، إذ على الرغم من أن التناص وارد في أنماط كثيرة من التعبير، والشعري منها على الخصوص، طالما أن المتن الشعري يشكل فضاءً واحداً متشابهاً على الأقل، مما تستبعد معه القطيعة الكلية أو الانفصال التام، فإن لتجربة الشاعر وما له من قدرة على الكشف عنها ما يحتم التمايز والتفاوت كذلك.

 

         ولأسباب كثيرة، أبرزها الواقع العام النفسي والفكري، وثقافة الشعراء وما تولد عنها من منظور ووعي، كان للنص الديني أثر كبير في إبداعهم، متمثلاً في القرآن الكريم، ثم في الحديث النبوي الشريف، من خلال تضمينات مباشرة أو استيحاءات لجأوا إليها في أغراض كثيرة، كالمولديات والوطنيات ؛ مع شيء من التطوير في التوظيف ظهر عبر الارتباط بالقيم الإسلامية والمعاني الإنسانية السامية، عند الكشف مثلاً عن الواقع المرير الذي يعيشه الإنسان عامة، ويعاني ويلاته في غيبة المقومات، متخبطاً في التناقض والصراع، غير قادر على أن يهتدي إلى ما ينجيه أو يخفف عنه.

 

         ويبقى بعد هذا أن التأثر كان واضحاً بالتراث الشعري العربي، القديم والحديث، سواء بالاقتباس أو المحاذاة أو المعارضة، أو حتى بالاقتفاء والمحاكاة والنسج على نفس المنوال. والسبب أن هذا التراث يمثل لدى شعرائنا المرجع والذاكرة، إذ قرأوه وانفعلوا به وتأثروا، إلا أن منهم من سار في ذلك على نهج التقليد المكشوف، ومنهم من كان أقدر على إخفاء ملامح هذا التقليد.

 

         والمنطلق عند الجميع أن التراث الشعري العربي، بمختلف محطاته الزمنية، هو من قبيل النبع المشاع الذي لا مالك له بحقوق تحول دون الأخذ منه، بل قد يتم هذا الأخذ بشيء من الاعتزاز والافتخار بالتتلمذ على كبار مبدعي العربية في المشرق والأندلس، بما يمثلانه من كيان واسع يرى شعراؤنا أنهم منضوون تحت لوائه دينياً وفكرياً وشعورياً، وأنهم يشاركون في صنعه وتشكيل خصوصياته ومميزاته، وأنهم بذلك يخرجون من حدود الإقليمية الضيقة، ويقوون أنفسهم للدفاع عن الذات وإمدادها بمزيد من القدرة لمواجهة تحديات الغرب.

 

         وانطلاقاً من هذه الأحاسيس، لم يلتفت شعراؤنا إلى الإنتاج الشعري الأوربي على الرغم من الاحتكاك الكبير الذي كان بأوربا الاستعمارية، إلا أنه احتكاك لم يغر بالنظر في شعرها الذي كان يعتبر دون مستوى الشعر العربي من حيث أشكاله ومضامينه. وهذا ما جعل نهضة شعرنا الحديث، سواء في المشرق أو المغرب، تحاول البعث بالرجوع إلى الشعر العربي القديم وإحياء نماذجه الجيدة الرائعة، في حين أن نهضة الكتابة النثرية التفتت إلى ما أنتج الغرب من أنواع وأجناس.

 

         ومع ذلك، فلم يخل شعر المرحلة المؤطرة لهذه النصوص المختارة من محاولات، بالترجمة أو الاقتباس أو الاستيحاء، دلت على تأثر طفيف بالشعر الأوربي عند البعض، ولكن من غير أن يكون لها وقع يذكر، فضلاًَ عن أن يكون لهذا الوقع صدى كبير.

 

         على هذا النحو، كان شعراء المغرب في هذه المرحلة – على امتدادها قرناً من الزمان – مرتبطين بالتراث العربي، وبحركات التجديد التي ظهرت في المشرق، مع التدرج في هذا الارتباط، من مجرد محاكاة النماذج القديمة في نطاق نمطية محصورة في موضوعات محددة وقوالب شكلية، قصارى همهم فيها أن تنقاد لهم اللغة وينضبط إيقاع الوزن والقافية، إلى اقتحام ميادين جديدة كانوا فيها مشدودين إلى الواقع وقضاياه، ومتطلعين إلى فتح آفاق مستقبلية باستمرار، يواكبون بها مستجدات المرحلة وما كانت تثيره من تناقضات.

 

         وقد دفعت بهم هذه المواكبة إلى التوسل بالقصيدة الجديدة التي طغى التعبير بها عند جيل الشباب، بإجادة مرة، وبمجرد المحاولة التي تفتقر إلى مقومات الإبداع مرات كثيرة. وما كانت هذه الرغبة التحديثية لتمر دون إثارة مواقف نزالية بين أنصار الشكل القديم والرافضين له، في غيبة نقد موضوعي قادر على إنارة الطريق، إلا ما كان من بعض الكتابات المحدودة كما سلف القول، وكذا في غيبة إدراك حقيقي لطبيعة التطور الذي يجتازه الفكر والأدب وعموم مظاهر الحياة، بالنسبة إلى مختلف الأقطار العربية، والحاجة في نطاق هذا التطور إلى تعبير متجدد في جوهره قبل أن يكون متجدداً في شكله. ولعل هذا ما تسعى جميع التجارب لتحقيقه عبر مخاضات مبشرة في الغالب، وإن لم تثمر بعد ما يمكن أن يعتبر النموذج أو المثال.

 

         وسيلاحظ القارئ لهذه المختارات، أن النصوص التي أنشأها شعراء ينتمون إلى أجيال شابة، تتميز بسمات يمكن إجمال أبرزها في ما يلي:

 

1-        أنها تعكس تجربة فردية تحاول معانقة الجماعة، من خلال رؤية ذاتية هي أساس الإبداع بلا شك. وهي رؤية نابعة من معايشة الواقع السياسي والاجتماعي، والاحتكاك به داخل معادلة يلتقي فيها الحلم بالممارسة والوعي باللاوعي، وإن كانت هذه المعادلة لا تكشف بوضوح وعلى مستوى كبير علاقة شعورية تبلغ من الاندماج والانصهار ما تتجاوز به مجرد التعاطف والانتماء.

2-        أنها تدل على مدى التشوف للتعبير بحرية، والاقتناع بهذا التعبير، وإن بخرق بعض الأنظمة والضوابط، ولا سيما الشكلية منها، وهو منحى يؤدي عند غير المتمكنين من الأدوات والمتحكمين فيها إلى اضطراب يشوش على الإيقاع الذي هو أساس الشعر، مهما تكن مكونات هذا الإيقاع.

3-        أنها تسير في دهاليز الغموض الذي لا يكون دائماً نابعاً من غور التجربة وعمق التعبير عنها، بقدر ما يكون دالاً على تعقيد يفتعله الشاعر لإخفاء ضعف تجربته أو اضطرابها، وانفلات أدوات الكشف عنها، لغة وتصويراً، مما يوقعه في تقليد يفقد شعره كل ما يمكن أن يستتبع الغموض المشروع القادر على تجاوز المعنى الواضح الصريح، للتحليق في آفاق تخييلية تعيد صياغة المألوف والمتداول.

 

         وعلى الرغم من بعض التعثرات، فإن مسيرة الشعر العربي في المغرب تنم بجلاء عن جرأة يتحلى بها الشعراء – إلى حد المغامرة – لمسايرة التوجه الحداثي الذي يفرض نفسه على حضارة الأمة وثقافتها، والاندماج فيه، وإن بشيء من الانسياق الأعمى لا ينتبه في معظم الحالات إلى ما يمس القيم الجوهرية والمقومات الثابتة التي هي محور الأصالة الحق، والأساس الذي منه يكون كل تحديث صحيح.

 

         ومع هذا التحفظ، يبقى الشعر في طليعة الكتابات التي تظهر مدى التطلع إلى هذا التحديث الذي بدونه لا تستمر الحياة، بما يجعلها في مختلف جوانبها تتطور وتنمو، وتحقق الرقي والازدهار للذين ينعمون أو يعرفون كيف ينعمون بمستجداتها، ويعملون في الوقت نفسه على غنى متزايد لهذه المستجدات.

 

         وبالله العون والتوفيق.

 

الرباط 28 صفر 1420هـ                                                           عباس الجراري

الموافق 12 يونيو 1999م